ندوة في "مركز الحوار" حول:

هل يمكن الآن تحسين العلاقات العربية/الأميركية؟

****

* د. بول سوليفان: الحل يكمن في استعادة المعتدلين في الجانبين لدفّة الجدل والحوار من أجل تحسين العلاقات العربية الأمريكية

* د. سامر شحاتة: تحسين العلاقات مرهون بحلّ عادل

 للصراع العربي الإسرائيلي

 

تمرّ العلاقات العربية الأمريكية منذ هجمات سبتمبر الإرهابية بمرحلة من التدهور، ويشوب هذه العلاقات الآن كثير من الشك وعدم الثقة المتبادلة بين العالم العربي والولايات المتحدة. وقد انتقلت هذه الحالة السلبية من المستوى الحكومي إلى المستوى الشعبي حيث أصبح كثير من الأمريكيين ينظرون إلى العالم العربي كمنطقة تخلّف بعيدة عن الحضارة، وفي المقابل ارتفعت نسبة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالم العربي إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.

بهذه المقدّمة افتتح السفير العماني الأسبق لدى الولايات المتحدة الدكتور صادق سليمان ندوة في مركز الحوار العربي بمنطقة واشنطن حول سبل تحسين العلاقات العربية الأمريكية، حيث تحدث في بدايتها البروفيسور بول سوليفان الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية فأعرب عن قناعته الشخصية بأن السبب الرئيس في تدهور تلك العلاقات هو أن المتطرفين على الجانبين العربي والأمريكي أمسكوا بدفة الحوار وحددوا المرجعية التي يجب الاستناد إليها، ولذلك يرى أن الحل يكمن في استعادة المعتدلين في الجانبين لدفّة الجدل والحوار على أن يحدّد العارفون بطبيعة العلاقات العربية الأمريكية ملامح المرجعية التي يجب أن تستند إليها. وأوضح البروفيسور سوليفان أن سوء التفاهم هو أساس عدم الثقة والشعور بالغضب الذي يعتري الجانبين حاليا وهو شعور عميق أحدث نوعا من الفرقة والانقسام، وسيحتاج الأمر إلى عقود طويلة من الزمن قد تتراوح بين خمسين إلى مائة عام حتى تلتئم الجراح خاصة وأن الغزو الأمريكي للعراق والاحتلال الذي أعقبه قد أدّى إلى تفاقم الموقف، كما أن الانتخابات العراقية التي صوّرتها الإدارة الأمريكية على أنها خطوة عملاقة نحو الديمقراطية لم تكن أكثر من عملية تجميل، وستتوقف مصداقية الولايات المتحدة في العالم العربي بشكل كبير على ما سيحدث في العراق، كما يتعيّن أن تقوم الولايات المتحدة بدور الوسيط النزيه في عملية السلام المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحيث تمارس الضغط على الجانبين لتحقيق تسوية سلمية عادلة. وعلى الجانب الآخر وفّرت أجواء الحرب التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب فرصة لبعض الحكام المستبدين في العالم العربي لممارسة مزيد من القمع، وساندتهم الإدارة الأمريكية طالما خدموا حربها الدولية ضد الإرهاب. وللخروج من ذلك المنعطف يجب أن يطّلع العرب على الحقائق والواقع الذي تنطلق منه السياسة الأمريكية، وينبغي أن تدرك الولايات المتحدة من جانبها الواقع على الأرض العربية، ويجب أن يتوقف كل جانب عن رؤية الجانب الآخر من خلال عدسات مشوّهة للحقائق. وأعرب البروفيسور سوليفان عن اعتقاده بأن مشاعر الكراهية للولايات المتحدة في العالم العربي لا تخدم المصالح القومية الأمريكية ولذلك يجب إزالة السبب الرئيس فيها وهو الموقف الأمريكي غير المتوازن من الصراع العربي الإسرائيلي، بالتوصّل إلى حلٍّ عادل ودائم وشامل يأخذ في الحسبان قضايا المياه والنمو السكاني وما سيحدث في المستقبل من تطورات، مع توفير العدل للشعب الفلسطيني والأمن للشعب الإسرائيلي. وأشار البروفيسور سوليفان الذي أمضى ستة أعوام في مصر إلى أهمية الدبلوماسية الشعبية في رأب الصدع في العلاقات العربية الأمريكية، ولفت إلى أهمّية الاتصال المباشر بين العرب والأمريكيين سواء على صعيد التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية أو برامج التبادل الطلابي والبعثات الدراسية منبّهاً إلى أهمية أن يشعر العالم العربي بأن الولايات المتحدة تحترم العرب ومجتمعاتهم وثقافاتهم. وقد أشار في هذا الصدد إلى أن النظرة الاستعلائية التي تنظر إلى العرب بازدراء في وسائل الإعلام الأمريكية لا تساعد في إزالة الجفوة القائمة حاليا بين الطرفين، وقال إنه عندما يترجم كلمات أذان المسلمين للصلاة أمام طلابه من الأمريكيين يفاجأون بالمعاني السامية التي تنطوي عليها كلمات الأذان ويتساءلون أين الدعوة إلى الجهاد في صلاة المسلمين، ويقول ضاحكا إن الأمريكيين اعتادوا من مشاهدتهم للأفلام التي تشوّه الإسلام أن ترتبط مشاهد الأذان بالأعمال الإرهابية أو التفجيرات الانتحارية، كما أن زعماء مسيحيين أمريكيين أساءوا إلى الإسلام وإلى النبي محمد (ص) وسرعان ما وصلت هذه الإساءة إلى الشعوب العربية والإسلامية. كما نبّه إلى ضرورة ألا تحكم تلك النظرة الاستعلائية أجواء المفاوضات أو المحادثات التي تجريها الولايات المتحدة مع الأطراف العربية.

وأكّد الدكتور بول سوليفان أن للعرب الأمريكيين دورا أساسيا في التقريب بين الولايات المتحدة والعالم العربي لأنهم عاشوا في كنف الجانبين ويمكنهم تفسير كل جانب للجانب الآخر. وقال إن أفضل من يجب توعيتهم بواقع الجانب الآخر هم أبناء الشعب العربي من جهة وأبناء الشعب الأمريكي من جهة أخرى، ففي غالب الأحوال يكون علاج الصدع في العلاقات الثنائية العربية الأمريكية بصفقة سلاح أو بأموال برنامج المساعدات الأمريكية، أو بالمناورات العسكرية المشتركة أو بالتعاون الاستخباراتي ولكن هذا لا يزيل الجفوة على مستوى الشعوب، لذلك يجب الاهتمام ببرامج التبادل التعليمي ولقاءات رجال الأعمال، والدبلوماسية العامة. ولكنه شبّه كل هذه الجهود بمن يحاول تجفيف نهر عظيم كنهر النيل بملعقة شاي وقال إنه ما لم تسارع الولايات المتحدة إلى تسوية الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عادل وإنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق وإزالة الأسباب الحقيقية الأخرى لاحتقان الشارع العربي بمشاعر العداء لأمريكا فلن تفلح أي جهود في رأب الصدع في العلاقات العربية الأمريكية مهما طنطن المسؤولون الأمريكيون بشعارات نشر الحرية والديمقراطية وتحرير الشعوب العربية.

 

الدكتور سامر شحاتة

وتحدث أيضاً في ندوة "مركز الحوار" الدكتور سامر شحاتة أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون في واشنطن فأعرب عن عدم تفاؤله بإمكانية تحسن العلاقات العربية الأمريكية في المستقبل القريب بسبب السياسات الأمريكية في العالم العربي والتي قسّمها إلى ثلاثة مستويات:

أولا: الصراع العربي الإسرائيلي ودور الولايات المتحدة في دعم إسرائيل وممارساتها واحتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة بل وتوفير الغطاء السياسي لإسرائيل على صعيد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

ثانيا: الحصار الأمريكي الذي جرى على العراق في التسعينات ونظام العقوبات الذي ألحق أبلغ الضرر بالشعب العراقي ثم الحرب الاستباقية على العراق واحتلال أراضيه.

ثالثا: المساندة الأمريكية المتواصلة لنظم حكم استبدادية في العالم العربي مقابل الاستقرار في المنطقة.

وأعرب الدكتور سامر شحاتة عن إيمانه بأنه لن يمكن تحسين العلاقات العربية الأمريكية بمجرد تخصيص مئات الملايين من الدولارات للإنفاق على مشروعات مثل راديو سوا أو قناة الحرة أو غيرها من وسائل التأثير عن طريق الدبلوماسية العامة كالتبادل الطلابي أو استضافة المثقفين العرب في جولات بالولايات المتحدة، إذ يلزم قبل كل تلك الجهود معالجة الخلل في مستويات السياسة الخارجية الأمريكية الثلاثة.

واقترح البروفيسور شحاتة أن تدرك الولايات المتحدة أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية هو سبب هام في استمرار العنف وأن عليها أن تساند  حلاً على غرار مشروع السلام الذي توصلت إليه مجموعة غير رسمية من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والذي يوفر الأمن لإسرائيل ويتيح للفلسطينيين تحقيق طموحهم المشروع في دولة مستقلة تتوفر لها مقومات البقاء، متصلة الأراضي يتحكمون في مواردها ومنها المياه، وبوسع واشنطن ممارسة الضغط على الجانبين للوصول إلى هذا الهدف.

وفيما يتعلق بالسياسة الأمريكية في العراق، قال الدكتور سامر شحاتة إن الولايات المتحدة أسهمت فيما وصل إليه الوضع في العراق من تفاقم وفوضى برفضها تسليم العراق بعد الحرب الاستباقية إلى الأمم المتحدة وإسباغ الصفة الشرعية على عملية إعادة بناء النظام السياسي ومؤسسات الدولة العراقية. وقد ساهم ذلك في تصاعد الشكوك في النوايا الأمريكية الحقيقية في العراق سواء كانت البترول أو الصفقات الضخمة للشركات الأمريكية في إعادة إعمار ما خربته الحرب، أو القواعد العسكرية التي تريد الولايات المتحدة الاحتفاظ بها على الأرض العراقية، ولذلك خلص إلى أنه من الصعوبة بمكان اقتراح حلول للسياسة الخاطئة التي اتبعتها الولايات المتحدة في العراق.

وتحدث الدكتور سامر شحاتة في ندوة مركز الحوار عن المستوى الثالث من السياسات الأمريكية في العالم العربي والتي كانت سببا أساسياً في مشاعر العداء للولايات المتحدة على المستوى الشعبي وهي مساندة واشنطن المتواصلة لبعض أنظمة الحكم الاستبدادية في العالم العربي بل وعلى مستوى العالم. وقال إنه حتى عندما أدركت الولايات المتحدة أن تلك السياسة أسهمت في تفريخ عنف وإرهاب هدد في نهاية المطاف الأمن القومي الأمريكي في هجمات سبتمبر 2001، تحولت مناداة واشنطن فجأة بالديمقراطية من المغرب إلى ماليزيا إلى هدف يخدم مصالحها الذاتية بجعل الشرق الأوسط الكبير أكثر أمنا بالنسبة للولايات المتحدة. وقال إنه يجب عدم الترويج للوهم القائل بأن الديمقراطية ستنتشر في المنطقة انطلاقا من العراق، ويجب ألا تجعل الولايات المتحدة مسألة نشر الديمقراطية واجهة جديدة للتدخل في الشؤون الداخلية العربية وخاصة الإملاء الأمريكي فيما يتعلق بتغيير المقررات الدراسية في العالم العربي، كما أنه بدون التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي بإظهار الرغبة الأمريكية الحقيقية في القيام بدور الشريك النزيه، وإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الدول العربية خاصة العراق، يمكن أن تنشأ ديمقراطيات في الدول العربية.. وسيستمر العنف السياسي بسبب تلك المظالم التي قد يتحول معها إلى إرهاب يستهدف الولايات المتحدة. وأشار الدكتور سامر شحاتة إلى أن هناك ظاهرة سلبية في الولايات المتحدة تزكي نار الفرقة بين العرب والمسلمين من جهة وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى وهي الترويج لفكرة خاطئة مفادها أن الإسلام هو المشكلة لأنه يروّج للعنف والجهاد وحرمان المرأة من حقوقها وفقدان الديمقراطية.  وشارك في الترويج لذلك مثقفون مثل برنارد لويس ومتعصبون مسيحيون بعضهم من المقربين إلى البيت الأبيض من أمثال جيري فولويل والقس فرانكلين جراهام والقس بات روبرتسون. كما أن السياسات الأمنية بعد هجمات سبتمبر والتي استهدفت العرب والمسلمين تركت بصماتها الواضحة على مشاعر العرب والمسلمين إزاء الولايات المتحدة. كما انهمكت وسائل الإعلام الأمريكية في تصوير العرب والمسلمين بأنهم أشرار أو إرهابيون مما تسبّب في تشويه صورة العرب والمسلمين الأمريكيين في عيون أبناء وطنهم من الأمريكيين الآخرين الذين يتلقون معلوماتهم من وسائل الإعلام الأمريكية.   

ونبّه إلى أن العرب الأمريكيين في موقع فريد يمكنهم من تنبيه الإدارة الأمريكية إلى ما يتعين عمله لرأب الصدع في العلاقات العربية الأمريكية من منظور المصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي.

وردا على سؤال عمّا يمكن للعالم العربي أن يفعله لمواجهة التساؤل الأمريكي الذي استندت إليه المواقف الأمريكية من العرب والمسلمين بعد هجمات سبتمبر وهو لماذا يكرهنا العرب؟ أجاب الدكتور سامر شحاتة قائلا:

"علينا جميعا ألا نمل من تكرار الإجابة على تساؤلهم بأن المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالم العربي لا تنبع من كراهية القيم أو الثقافة أو المبادئ الأمريكية بل من السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط وأن نستخدم نتائج استطلاعات الرأي العلمية المختلفة مثل مؤسسة بيو ومؤسسة زغبي وغيرها والتي تشير إلى إعجاب العرب بتلك المبادئ الأمريكية مثل المساواة والحرية وسيادة القانون وحق تقرير المصير وتقدير العرب للتقدم التكنولوجي الأمريكي وانتقاداتهم الشديدة في الوقت نفسه للسياسات الأمريكية إزاء المنطقة العربية والعالم الإسلامي".

 

 

(تقرير من إعداد: م. ش.- واشنطن)

 

تتأكد أهمية تجربة "مركز الحوار" وفوائدها العديدة من خلال تشجيع أسلوب الحوار بين العرب من جهة وبين العرب والمجتمع الأميركي من جهة أخرى، وذلك عبر أنشطة (باللغتين العربية والإنجليزية)  تشمل مطبوعات دورية وموقعاً هاماً على الإنترنت، إضافة إلى ندوات أسبوعية بلغ عددها  580 ندوة حتى نهاية العام 2004 (منذ تأسيس المركز في العام 1994)، شملت ميادين الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والعلاقات العربية الأميركية.

لمزيد من المعلومات عن "مركز الحوار العربي" في واشنطن:

http://www.alhewar.com

AL-HEWAR CENTER

Mailing Address: P.O. Box 2104, Vienna, Virginia 22180 - U.S.A.

Telephone:  (703) 281-6277  Fax: (703) 437-6419

E-mail: alhewar@alhewar.com