ندوة في "مركز الحوار" بواشنطن عن

الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقات العربية الأميركية

 

* السفير سعيد كمال: الرئيس بوش أمام اختبار لتحديد نواياه إزاء الفلسطينيين.

* السفير حسين حسونة: أمريكا تتعامل مع العالم العربي من منظور إسرائيلي.

* السفير بدر الدفع: يجب التعامل بعقلانية مع الولايات المتحدة ودعم المنظمات العربية والإسلامية الأمريكية لتقوم بدور طليعي في تحسين العلاقات.

 

في محاولة لاستشراف مستقبل العلاقات العربية الأمريكية خلال السنوات الأربع القادمة من رئاسة الرئيس بوش، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وقضية الإصلاح والتحوّل نحو الديمقراطية في العالم العربي، نظّم "مركز الحوار العربي" في منطقة واشنطن ندوة دعا للحديث فيها السفير حسين حسونة سفير الجامعة العربية في واشنطن، والسفير بدر عمر الدفع سفير قطر في واشنطن، والسفير سعيد كمال الأمين المساعد لجامعة الدول العربية للشؤون الفلسطينية، وحضر الندوة لفيف من الدبلوماسيين والمثقفين العرب في منطقة العاصمة الأميركية.

 في البداية، تحدّث الدكتور حسين حسونة فقال إن المشكلة الأساسية في العلاقات العربية الأمريكية أن  الولايات المتحدة تنظر في تعاملها مع العالم العربي من خلال منظور إسرائيلي وليس من منطلق المصالح العربية الأمريكية المشتركة، وقال إنه رغم استمرار المساندة الأمريكية الواضحة لإسرائيل خاصة في السنوات الأربع الأولى للرئيس بوش فإن الدول العربية تمكنت من استصدار رأي استشاري من محكمة العدل الدولية أكَّد أن الأرض الفلسطينية أرض محتلة وأن المستوطنات التي أقامتها إسرائيل فيها غير شرعية، وكذلك أفادت محكمة العدل الدولية بعدم قانونية بناء جدار الفصل الإسرائيلي وأنه يتعيّن هدمه. وفيما يتعلق بالتركيز الأمريكي على موضوع الإصلاح والتحديث قال الدكتور حسونة إن الولايات المتحدة رأت أنه يجب إصلاح المجتمعات العربية حتى تستطيع التغلب على ظاهرة التطرّف والإرهاب التي طالت أياديها الأمن القومي الأمريكي في الحادي عشر من سبتمبر، وكان الردّ العربي أن الإصلاح يجب أن ينبع من الداخل وأن يتفق مع التراث الثقافي والديني للمجتمعات العربية وأن لكل دولة ظروفها الخاصة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وأكّد الموقف العربي على أن الإصلاح يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع إحراز التقدم نحو حل الصراع العربي الإسرائيلي لتهيئة المناخ المناسب الذي يمكن أن يوفر النجاح لجهود الإصلاح والتحول الديمقراطي. وقال الدكتور حسين حسونة إن الولايات المتحدة سرعان ما قبلت بالتصوّر الذي طرحته الدول العربية لكيفية ومتطلبات الإصلاح كما اتضح في جلسات مشتركة لوزراء الخارجية العرب ومجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى وتمّ التوصل إلى تفاهم مشترك بأن الإصلاح لن يفرض من الخارج على الدول العربية ولكنه سيلقى التشجيع والمساعدة من هذه الدول. وقال الدكتور حسين حسونة "كمواطن عربي وبكل صراحة أعتقد أن الإصلاح الذي تبتغيه الشعوب العربية لن يأتي إلا بالتحرك من الداخل وبالتشجيع من الخارج وليس بالضغط ولا بالإملاء".

وخلص الدكتور حسين حسونة إلى أن هناك متطلبات يتعين على الجانب العربي القيام بها لضمان التأثير في المواقف الأمريكية بشكل يخدم المصالح  العربية ويحسّن العلاقات العربية الأمريكية وهي:

أولا: تغليب المصلحة المشتركة العليا للدول العربية على المصالح الثنائية العربية الأمريكية للتوصّل إلى مواقف عربية موحدة ومشتركة بعد أن اتضح للعرب أن الولايات المتحدة لا تحترم إلا القوة، فلو أظهر العرب قوتهم السياسية من خلال المواقف الموحدة فستحترم الولايات المتحدة مواقفهم.

ثانيا: التعامل بعقلانية مع الولايات المتحدة والتوقّف عن ردود الأفعال العاطفية والتخلّي عن نظريات التآمر التي اعتاد العرب اللجوء إليها لتبرير المواقف، وكذلك الشروع في قبول النقد الذاتي.

ثالثا: استخدام المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الحيوية للولايات المتحدة في العالم العربي كوسيلة للتأثير الإيجابي في العلاقات العربية الأمريكية من خلال توضيح كيف أن التوصل إلى حلٍّ عادل للصراع العربي الإسرائيلي وسحب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية سيحقّق بشكل أفضل بكثير المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة في العالم العربي.

رابعا: استخدام الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الشعبية في رأب الصدع في العلاقات العربية الأمريكية من خلال الحوار الدبلوماسي في واشنطن وتضافر جهود المنظمات العربية الأميركية في شرح القضايا العربية والثقافة العربية والحضارة الإسلامية للجانب الأمريكي.

خامسا: استمرار الجامعة العربية في جهودها مع الجمعيات العربية الأمريكية لتحسين التعاون العربي الأمريكي في ضوء نجاح المنتدى الاقتصادي العربي في ديترويت في فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي العربي الأمريكي.

 

  السفير بدر الدفع

أما السفير القطري في واشنطن الأستاذ بدر عمر الدفع فقد نبَّه إلى ضرورة التخلّي عن تعليق كل المشاكل العربية على شمَّاعة العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والبدء فورا في إدراك حقائق عالم اليوم الذي انفردت فيه الولايات المتحدة بزعامة العالم كقوة عظمى وحيدة تؤثّر في معظم القرارات العالمية وبالتالي ضرورة فتح باب الحوار والتعامل العقلاني مع الولايات المتحدة بعيدا عن العنتريات العربية واستغلال كل الموارد المتاحة للتأثير الإيجابي على عملية صنع القرار في الولايات المتحدة سواء تعلّق ذلك بالصراع العربي الإسرائيلي أو مسألة الإصلاح التي قال إنها مطلب شعبي عربي قبل أن تكون مسعًى أمريكياً فرضته أحداث سبتمبر 2001 . وأشار السفير القطري إلى أن إسرائيل تفهّمت حقائق الساحة السياسية الأمريكية وأهمية استخدام اليهود الأمريكيين كقوة تأثير لضمان مصالحها وتأمين التأييد الأمريكي المتواصل لها، ومن خلال اليهود الأمريكيين تمكّنت إسرائيل من الدخول المنظّم والمقنن إلى مراكز التأثير على صنع القرار السياسي الأمريكي بينما أهمل المسؤولون العرب الجسر القائم للوصل بين الولايات المتحدة والعالم العربي وهم أبناء مجتمع العرب الأمريكيين والذين لو أحسن استخدامهم وتنشيطهم لأمكن التأثير بشكل متزايد في القرار الأمريكي وفي تحسين العلاقات العربية الأمريكية والتقريب بين وجهات نظر الجانبين.

وأشار السفير القطري إلى أن العرب الأمريكيين هم خير من يقوم بمهمة تعريف الأمريكيين بحقائق الثقافة والحضارة العربية والإسلامية والمساهمة في إزالة الصور السلبية النمطية عن العرب والمسلمين. وطالب الأستاذ بدر الدفع بتعزيز ودعم المنظمات العربية والإسلامية الأمريكية لتقوم بدور طليعي في تحسين العلاقات العربية الأمريكية وناشد تلك المنظمات المزيد من التنسيق من خلال إنشاء مجلس أعلى للمنظمات العربية الأمريكية يعمل على تكريس دور عربي فعال في الولايات المتحدة على غرار التنسيق الذي تمارسه الجاليات المؤثّرة في المجتمع الأمريكي. وخلص السفير القطري في واشنطن إلى أنه يجب عدم الاقتصار على الجوانب السياسية فقط في العلاقات العربية الأمريكية خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الأمريكي العادي أكثر اهتماما بالوضع الاقتصادي لذلك يمكن استمالته إلى مساندة تحسين العلاقات العربية الأمريكية من خلال فتح آفاق التعاون الاقتصادي العربي الأمريكي بشكل يعود بنفع ظاهر.

 

السفير سعيد كمال

 وكان المتحدّث الثالث في ندوة مركز الحوار السفير سعيد كمال الأمين المساعد لجامعة الدول العربية للشؤون الفلسطينية والذي يجري حوارات في العاصمة الأمريكية تستهدف دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد أن قررت إسرائيل التراجع عن المضي فيها واستخدمت أعذاراً مختلفة وحججاً منوّعة للتنصّل من استحقاقات عملية السلام. وقال السفير سعيد كمال إن إسرائيل استغلّت هجمات سبتمبر الإرهابية لمصلحتها المباشرة في وضع الفلسطينيين والعرب والمسلمين في سلّة واحدة تساند الإرهاب، ولذلك يتعيّن على كلِّ من يتحدّث عن مستقبل العلاقات العربية الأمريكية البحث عن كيفية تغيير تلك الصورة المشوّهة التي رسمتها إسرائيل وأحدثت بها شرخا في تلك العلاقات ممّا جعل الصراع العربي الإسرائيلي في مرحلة اختبار عسير فإما أن يقدم العرب بعد وفاة الرئيس عرفات ما يتخطون به العذر الذي طرحته إسرائيل وتبنّته الولايات المتحدة بتصوير الرئيس الراحل عرفات وكأنه العقبة في طريق تقدم عملية السلام ، وإمّا السماح لإسرائيل بتمرير أعذار أخرى للمماطلة مثل ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني والتسويف المتلاحق لتحقيق هدف إسرائيل في استبعاد قيام الدولة الفلسطينية والاقتصار بدلا من ذلك على حكم إداري لا يرقى إلى وضع الدولة المستقلة. وقال السفير سعيد كمال إنه لو تمَّ انتخاب السيد محمود عباس "أبو مازن" رئيساً فلسطينياً فسيجمع بين تجربة تاريخية امتدت أربعين عاما وبين رؤية واقعية سياسية تستند إلى أن السلام مع إسرائيل أقوى وأجدى نفعا للشعب الفلسطيني من اللجوء إلى السلاح، خاصة بعد إجماع العرب في مبادرة الأمير عبد الله على خيار السلام، وبالتالي سيجرّد إسرائيل من حجّة عدم وجود شريك للسلام في الجانب الفلسطيني، ولذلك يجب أن تتفهّم إدارة الرئيس بوش في فترتها الثانية أنها أمام امتحان للنوايا الحقيقية إزاء قضية الشعب الفلسطيني بعد أن زالت حجّة أن الرئيس الراحل عرفات كان هو العقبة في طريق تنفيذ خارطة الطريق، وليكن الانسحاب من غزة مقدّمة مرتبطة بتنفيذ المراحل الأخرى للتسوية وصولا إلى برنامج زمني محدد لإقامة الدولة الفلسطينية.

وردّا على سؤال عمَّ يجب أن يفعله العرب للتأثير في المواقف الأمريكية خلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوش  قال السفير القطري الأستاذ بدر الدفع إن المشكلة الأساسية في التعامل العربي مع الولايات المتحدة هو أن كثيراً ممّن يفهمون حقائق الساحة السياسية الأمريكية من الكوادر العربية في أغلب البلدان العربية بعيدون عن دائرة صنع القرار في تلك العواصم العربية ممّا يخلق نوعاً من عدم الفهم والخلل في التعامل مع الولايات المتحدة، كما أن صوت العديد من الشعوب العربية ليس مسموعاً في أوطانها العربية فكيف سيكون مسموعاً في واشنطن؟ ولذلك فإن تحوّل العالم العربي نحو الديمقراطية من شأنه أن يجعل صنَّاع القرار في واشنطن يتفهّمون أن مطالب الزعماء العرب هي تعبير عن مطالب شعبية لها وزنها. وقال إن بعض الزعماء العرب عندما يأتون إلى الولايات المتحدة يتصوّرون أن اجتماعهم بزعماء اليهود الأمريكيين كفيل بتلميع صورهم في المجتمع الأمريكي، بينما الأجدر بالزعماء العرب أن يجتمعوا بالعرب الأمريكيين فهم بذلك يؤكّدون للجانب الأمريكي وجود قوة لهم على الأرض الأمريكية ممثّلة في أصوات العرب الأمريكيين ومنظماتهم التي يتزايد تأثيرها وفعاليتها يوماً بعد يوم. أما الدكتور حسين حسونة ممثل الجامعة العربية في واشنطن فقال إنه يتعيّن على الدول العربية أن تتّخذ في الفترة القادمة مبادرات لتحريك المواقف الأمريكية وألا تكتفي بردود الأفعال، ولعلَّ أفضل ما يمكن عمله هو إعادة طرح وتسويق مبادرة الأمير عبد الله التي توصّلت قمَّة بيروت إلى إجماع عربي بشأنها كخيار عربي للسلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك تذكير الرئيس بوش بوعوده وضرورة تنفيذها خاصةً تصوّره للسلام المبني على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة تتوفّر لها مقومات البقاء. كما أوصى الدكتور حسين حسونة بالاهتمام بالعرب الأمريكيين ودورهم كجسر بين الولايات المتحدة والعالم العربي وتفعيل دورهم السياسي والتنسيق معهم من خلال تنظيم مؤتمرات للمغتربين العرب تناقش كيفية تطوير دور العرب الأمريكيين ومنظماتهم بالشكل الذي يسهم في تطوير وتنمية العلاقات العربية الأمريكية.

 

(تقرير من إعداد: م. ش.- واشنطن)

 

تتأكد أهمية تجربة "مركز الحوار" وفوائدها العديدة من خلال تشجيع أسلوب الحوار بين العرب من جهة وبين العرب والمجتمع الأميركي من جهة أخرى، وذلك عبر أنشطة (باللغتين العربية والإنجليزية)  تشمل مطبوعات دورية وموقعاً هاماً على الإنترنت، إضافة إلى ندوات أسبوعية بلغ عددها  580 ندوة حتى العام 2004 (منذ تأسيس المركز في العام 1994)، شملت ميادين الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والعلاقات العربية الأميركية.

لمزيد من المعلومات عن "مركز الحوار العربي" في واشنطن:

http://www.alhewar.com

AL-HEWAR CENTER

Mailing Address: P.O. Box 2104, Vienna, Virginia 22180 - U.S.A.

Telephone:  (703) 281-6277  Fax: (703) 437-6419

E-mail: alhewar@alhewar.com